يشكو كثير من الآباء والأمهات من عدم استجابة الأبناء أحيانًا لما يُطلب منهم، وإذا نظرنا إلى الأمر من زواياه المتعددة، هانت الشكوى وفُهِم الأمر.
إنَّ هؤلاء الأبناء بشر، يتفاوتون في قدراتهم واستيعابهم واهتماماتهم، وطُرق فهمهم للتوجيهات، واستعدادهم ومرونتهم. وبالتالي، يختلفون في المدخل الأنسب لهم، والأسلوب الأنفع، والوسيلة الأفضل.
إذا أدركنا هذه الفروقات الهامة في تعاملنا مع أبنائنا، فإننا أقرب إلى التعامل السوي الصحيح، وهذا يتطلب معرفة وصبرًا وتجربة.
وبعد هذا الإدراك، نحتاج إلى أهم خصيصة من خصائص التربية، ألا وهي التدرج؛ التدرج في الأوامر والنواهي، والتعليم والتعود. ولنتذكر دومًا أن هذه سنة كونية، فلم ينزل القرآن بأحكامه وشرائعه جُملة واحدة، بل نزل مُفرقًا، يعالج مشكلة تلو الأخرى، ويُثبّت معنى تلو الآخر.
إنَّ التعامل مع الأبناء على أنهم آلات يمكن توجيهها متى ما أردنا، وعلى الوجه الذي نريد، تعامل يحتاج إلى نظر. والرجوع إلى النموذج الأمثل، الذي نستقي منه أفعالنا وكلامنا وأساليبنا ووسائلنا، يَضَعُنا على الطريق الصحيح والتعامل السوي.
لقد كان النبي ﷺ نِعمَ المعلم والمربي، يفقه مداخل كل فرد، ويعلم ما الذي يؤثر فيه، وأي الأوقات أشد تأثيرًا من غيرها، وأي الأساليب أنفع من غيرها. ولذلك، كان ﷺ يُنوّع في أساليب ووسائل التربية بما يتناسب مع المتلقي. وسيرته ﷺ ذاخرة بهذه المواقف، ولعلنا نسرد بعضها للتوضيح والتبيين.
-
أسلوب الحوار والإقناع العقلي:
يسأله أحد الشباب أن يأذن له بالزنى، فيصيح الناس مستنكرين ما يطلب، فيستخدم النبي ﷺ معه أسلوب النقاش والحوار الهادئ:
“أتحبُّه لأُمِّكَ… الحديث” حتى تتم المعالجة بأسلوب حكيم. -
أسلوب التوجيه المباشر:
تطيش يد الغلام في الصحفة أثناء الطعام، فيوجهه النبي ﷺ قائلًا:
“يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بِيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ”.
فظل الغلام على هذا السلوك حتى لقي الله. -
أسلوب الثناء والتشجيع:
يقول لأحد الصحابة:
“نِعمَ الرَّجلُ عبدُ اللَّهِ لو كان يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ”.
فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلًا. -
استثمار المواقف لترسيخ المعاني:
يرى امرأة فقدت ولدها، ثم وجدته فضمته إليها وأرضعته في مشهد مهيب، مليء بالرحمة والحنان، فيستثمر النبي ﷺ الموقف قائلًا:
“أترون هذه طارحةً ولدَها في النَّارِ؟”
قال الصحابة: لا.
فقال ﷺ: “اللهُ أرحمُ بعبادِه من المرأةِ بولدِها”. -
أسلوب الرسم والإشارة:
يخط بيده خطًا مستقيمًا وخطوطًا عن يمينه وشماله، مُبينًا من خلال الرسم طريق الاستقامة وطُرق الشيطان. -
أسلوب الملاطفة والمداعبة:
يموت طائر يسمى (النُغير) لأحد الأطفال (أبي عمير)، فيلاطفه النبي ﷺ قائلًا:
“يا أبا عُمَيرُ! ما فعل النُّغَيرُ؟”
والناظر لهذا النموذج الأكمل والأمثل، يجد فيه الهدى والرشد والنور، كما قال الله تعالى:
“لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ”.
وسيرته ﷺ ذاخرة بهذا الرشد والهدى في كل مواقفه مع الأصحاب، والزوجات، والأطفال، والأبناء، وحتى مع الأعداء. فلنسعَ لالتماس هذا الهدي، ومن سعى بجِدٍّ وفقه الله، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.